فصل: باب: في حكم الناسية إذا كلانت تذكر شيئاًً:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: في حكم الناسية إذا كلانت تذكر شيئاًً:

567- جميع ما قدمناه في المتحيرة التي لا تذكر شيئاً، وهذا الباب يشتمل على ما إذا ذكرت شيئاًً في ترتيب أمرها في أدوارها، ونبين ما يقتضيه ذكرها من تخفيفٍ عنها في حكم الاحتياط.
وعلى الجملة: من أحاط بما قدمناه من قواعد الاحتياط في المتحيرة المطلقة، وهي تخبط في عمايةٍ عمياء، ولا تذكر شيئاًً؛ فيهون عليه مُدرَك اليقين فيه إذا كانت تذكر شيئاًً، وإنما غموض حكم الاحتياط فيما تقدّم، فلا نبسط القول في هذا الباب بتكثير الصور؛ علماً بأن من أحاط بالاحتياط فيما تقدم، يسرع إلى المطلوب في هذا الباب.
568- فنقول: لو عينت ثلاثين يوماًً، وذكرت أنها كانت تحيض في أوله، وينطبق أول حيضها على أول تلك المدة. ونحن فيما نحن فيه نسمي تلك الثلاثين شهراً، فإذا ذكرت ذلك، وزعمت أنها لا تذكر شيئاًً آخر، فتستفيد بما ذكرته أنّا نحيّضها بيقين يوماًً وليلة من أول الشهر، ثم نأمرها بالاحتياط إلى انقضاء الخامسَ عشر، لاجتماع احتمال الحيض والطهر، والانقطاع بعد اليوم والليلة إلى آخر الخامس عشر.
وقد ذكرنا أن وجوهَ الاحتياط تنشأ من هذه الاحتمالات، ثم هي طاهرة بيقين من أول السادس عشر إلى منقرض الشهر.
ولو عيَّنت كما ذكرنا شهراً، وذكرت أن حيضها كان ينقطع في آخر الشهر، ولم تذكر غير ذلك، فنحكم لها بالطهر من أول الشهر خمسة عشر يوماًً، ثم يحتمل من أول السادس عشر الحيض والطهر، ولا يحتمل الانقطاع فيه؛ فإنه لو فرض الانقطاع، لم يعد إلا بعد خمسةَ عشرَ، وقد ذكرت أن حيضها كان ينقطع في آخر الشهر، فإذا بقي يوم وليلة من الشهر، فهي حائض بيقين على حكم العادة، وإذا زال احتمال الانقطاع في النصف الأخير، زال الأمر بالاغتسال، ولا تغتسل إلا مرة واحدة في آخر الشهر؛ فإنه وقت الانقطاع لا غير، وليقس الناظر بما ذكرناه من أمرها أمثاله.

.فصل: في الخلط:

569- هذا قد يهابه المبتدئ، ولا إشكال فيه مع تمهُّدِ ما مضى، ولولا إقامة الرسم في تراجم الأبواب، لما رأيتا إفراد أمثال هذا، فنقول والله المعين:
إذا عيَّنت شهراً ثلاثين، كما تقدم، وأبانت المبتدأ والمختتم، وذكرت أنها كانت تخلط الشهر بالشهر حيضاً بحيض، والمراد به أنها كانت حائضاً في آخر كل شهر، وأول كل شهر، ولم تذكر غير ذلك. فهذا هو الذي سماه العلماء الخَلطَ المطلق.
فإذا لم تذكر غير ذلك، فوجه تقريب القول، وتسهيل المسلك أنها حائض في اللحظة الأخيرة والأولى من الشهر؛ فإنها ذكرت ذلك، ثم هي مأمورة بأكمل الاحتياط بعد اللحظة الأولى من الشهر إلى آخر الخامس عشر إلا لحظة؛ لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في هذه الأيام، ثم هي طاهرة في اللحظة الأخيرة من الخامس عشر واللحظة الأولى من السادس عشر؛ فإن الحيض لا ينتهي إلى هاتين اللحظتين في شيء من جهات التقدير، ثم بعد هذه اللحظة الأولى من السادس عشر إلى اللحظة الأخيرة من الشهر احتمالان:
أحدهما- الحيض.
والثاني: استمرار الطهر.
ولا يحتمل الانقطاع؛ فإن في آخر الشهر حيضاً بيقين.
ولو فُرض الانقطاع في النصف الأخير، لم يعد الحيض في آخر الشهر، ثم هي حائض بيقين في اللحظة الأخيرة من الشهر واللحظة الأولى من مبتدأ الشهر، فهذا حكم الخلط المطلق.
570- وقد ذكر الأصحاب عبارات في رَوْم التقريب، فصارت مراسمَ في الباب، وقد تعاظمها المبتدئون ورأَوْها أموراً غامضة، وإنما معناها ما ذكرناه، ولكنا نذكرها؛ حتى لا نكون أخلينا الكتاب عن فن مألوفٍ فيه.
فإذا ذَكَرَتْ الخلط المطلق، فنقدم حيضها إلى الزمان المنقضي، على أقصى الإمكان، ونؤخر حيضها في الزمان المستقبل على أقصى ما يتصور، فيقع حساب التقديم في النصف الآخر من كل شهر، ويقع حساب التاخير في النصف الأول من كل شهر، ونستمسك باللحظتين في الآخر والأول.
فنقول: أقصى الإمكان في التقديم أن نجعل آخر حيضها اللحظة الأولى من الشهر، فيقع أوله بعد لحظة من السادس عشر. وأقصى الإمكان في التأخير أن نجعل أولَ حيضها اللحظة الأخيرة من الشهر، فيمتد إلى آخر الخامس عشر إلا لحظة.
ثم نقول: ما يدخل في الحسابين: التقديم والتأخير، فهو حيض بيقين. وهو اللحظتان من الآخر والأول، وما خرج من الحسابين، ولم يلحقه واحد منهما، فهو طهر بيقين، وهو اللحظة الأخيرة من الخامس عشر، واللحظة الأولى من السادس عشر، وما دخل في حساب التأخير فحسب، ففيه أكمل الاحتياط، وما دخل في حساب التقديم فحسب، فليس فيه احتمال الانقطاع، فلا غسل، وإنما فيه احتمال الطهر والحيض.
وفيما قدمناه ما يغني عن هذه التهاويل والعبارات والتفاصيل، ولكن رأيت التأسّي بما ذكر لنتخدّ ذلك دستوراً فيما يجري بعده. إن شاء الله عز وجل.
ثم نذكر زوائد من الفوائد في هذه الصورة، يتدرب بها المنتهي والمبتدىء.
571- فنقول: إذا ذَكَرَتْ الخلط المطلق، وكان في ذمتها صلاة منذورة مثلاً، فأرادت الخروج عما عليها، أو أرادت إقامة صوم يوم واجب عليها، فقد ذكرنا في المتحيرة المطلقة، أن الوجه أن تصلي ثلاث مرات، وتصوم ثلاثة أيام. وذكرنا ما يتخلل بين الكرات من المواقيت.
فإذا ذكرت أنها كانت تخلط الشهر بالشهر، فيكفيها أن تقضي ما عليها مرتين: مرة في حساب التقديم، ومرة في حساب التأخير، ولكن لابد من رعاية وجهٍ يقع به أحدهما في الطهر.
فلو صامت يوم السادس والعشرين من شهر، ويوم السادس من الشهر الثاني، فلا تخرج عما عليها؛ لجواز وقوع اليومين في الحيض، إن كانت تخلط.
ولكن إذا صامت يوم الخامس عشر ويوم السادس عشر، فتخرج عما عليها؛ فإن الحيض لا يدرك اليومين جميعاًً، بل إن أدرك، فإنه يدرك أحدهما.
ولو صامت السابع عشر من شهر، والخامس عشر من الشهر الذي يليه، فإنها تخرج عما عليها؛ فإن الحيض مع تقدير الخلط لا يدرك اليومين جميعاًً في هذه الصورة. ولا يكاد يخفى على من أحكم استخراج الغوامض المقدمة مأخذ هذا.
572- ومما نذكره الآن أنا قدّمنا في المتحيرة المطْلقة من مذهب أبي زيد، أنها تصلي كل صلاة، ثم تقضيها كما تفصّل.
ولا بد من تفصيل هذا الفن مع ذكرها الخلط.
فنقول: نذكر التفصيل في الأيام المقدّمة في الزمان الماضي، ثم نذكر الأيام المؤخرة المقدّرة في الاستقبال، والأيامُ المقدمةُ تقع في النصف الأخير من الشهر، والمؤخرة تقع في النصف الأول من الشهر.
فأما النصف الأخير من كل شهر، فلا يحتمل الانقطاع؛ فإن في آخر الشهر حيضاً معلوماً، وإن انقطع الحيض، لم يعد إلى خمسةَ عشرَ يوماًً، ولكن يلزمها إقامة الصلوات في أوقاتها؛ لإمكان الطهر.
ثم لو كانت تصلي في الأيام المتقدمة في أول الوقت وتطبق التكبير على أول الوقت، فلا يلزمها القضاء أصلاًً؛ لأن الصلاة إن وقعت في الطهر، فقد أدت ما عليها، وإن وقعت في الحيض، أو وقع آخرها فيه، فلا تلزمها هذه الصلاة، لا أداءً ولا قضاء، ولا يحتمل أن ينقطع الحيض في آخر الوقت، كما تقدم ذكره.
ولو صلت في وسط الوقت، فيتجه أمرُها بالقضاء؛ لاحتمال أن أول الوقت كان عارياً عن الحيض، فلم تصلّ فيه، ولما صلت كانت حائضاً. والذي يقتضيه تحقيق هذا الحساب، أنها لو أوقعت الصلاة بعد مضي مقدار تكبيرة من أول الوقت، فيلزمها القضاء؛ لجواز أن تقع التسليمة في ابتداء الحيض، وقد مضى من أول الوقت، ما يسع صلاة تامةً.
ثم يتجه على ما أوضحناه أن نوجب عليها ملازمةَ أول الوقت؛ فإنها لو استيقنت من نوَب حيضها-ولم تكن مستحاضة- أنه إذا مضى من وقت الزوال مقدارُ أربع ركعات تَحيضُ، فيتعين عليها إيقاع الصلاة في أول الوقت، وإذا احتمل ذلك، فالاحتمال في قاعدة الاحتياط بمثابة اليقين.
ولا يمتنع أن يقال: عليها مع رعاية التطبيق على أول الوقت أن تقتصر على مقدار الفرض؛ فإنها لو بسطت وطوَّلت، فربما توقع شيئاًً من الصلاة في الحيض، مع القدرة على تبعيد الفرض عن المانع.
ولا يبعد أن يقال: يشق عليها مراعاة التطبيق على أول الوقت، والاقتصارُ على ما لا يتصوّر أقل منه، فنقول: هي بالخيار بين مراعاة التطبيق وقدر الفرض، وبين أن تصلي في الوقت متى شاءت، ثم تقضي تلك الصلاة مرةً أخرى. فهذه جهات الاحتمالات فيما أردناه.
573-ومما يليق بتمام البيان في الأيام المقدمة، أنها إذا صلت على وجهٍ يلزمها القضاء، فلو أرادت أن تقضي في الأيام المقدمة لتخرج عما عليها، لم يمكنها؛ لجواز وقوع القضاء في الحيض، ولكن سبيلَها أن تؤخر القضاء، وتصلي في الأيام المقدمة مثلاً في أوساط الأوقات، ثم تقضي صلواتِ يومٍ وليلة؛ وذلك لأنه لا يبطل من صلاتها إلا واحدة في جميع الأيام المقدمة؛ فإن الصلاة إنما تبطل بتقدير ابتداء الحيض في أثناء الصلاة.
و هذا إنما يتصور مرة واحدة في الأيام المقدمة، ولكن لما أشكلت الصلاة التي قدرنا فسادها، أوجبنا قضاء صلاة يوم وليلة.
فهذا تمام الكلام في الأيام المقدّمة.
ثم إنما تقضي الصلوات في الأيام المقدّمة والمؤخرة مرتين، كما تقدم، فتصلي مرتين خمساً خمساً، فتصير عشر صلوات.
574- فأما الأيام المؤخرة، فيحتمل فيها الانقطاع، فلو صلت في أول الوقت، فيلزم القضاءُ لتقدير الانقطاع في آخر الوقت، ووقوع الصلاة المتقدمة في الحيض، فالوجه أن تؤخر الصلاة-إن أرادت ألا تقضي- إلى آخر الوقت.
ثم نذكر مقدمةً لغرضنا، وهي أن من لا علّة به إذا أوقع بعضَ الصلاة في الوقت، وبعضها خارج الوقت، فالصلاة مقضية أو مؤداة؟ فيه خلاف، وسيأتي في كتاب الصلاة.
فإن قلنا: الصلاة مؤدّاة، فيجوز في حالة الاختيار تأخيرُ الصلاة إلى هذا الحد.
حتى لو لم يقع في الوقت إلا مقدار تكبيرة، جاز، وكانت الصلاة أداءً.
وإن قلنا: تصير الصلاة مقضية، فلا يجوز تأخير الصلاة إلى حالةٍ يقعُ بعضُها خارج الوقت.
فإذا ثبت ذلك، عدنا إلى غرضنا في الأيام المؤخرة.
575- فإن قلنا: تكون الصلاة مؤداةً، فلو أوقعت مقدار تكبيرة في الوقت، ووقع الباقي وراءه، فلا قضاء عليها، ولها أن تفعل ما ذكرناه؛ فإن هذه الصلاة إن وقعت في الطهر، فقد خرجت عما عليها، وإن وقعت في الحيض، فنعلم قطعاً أن الحيض طبق وقت الصلاة؛ فإن ابتداء الحيض في الأيام المؤخرة لا يتصور. وإنما الممكن استمرار الحيض، أو الانقطاع في كل وقت يشار إليه.
وإنما ينشأ الاحتياط في هذه الأيام من إمكان الانقطاع.
فهذا إذا قلنا: تكون الصلاة مؤداة، وإن وقع بعضُها وراء الوقت.
576- فأما إذا قلنا: تكون مقضيّة، فلا يجوز لها أن تُخرج شيئاًً من الصلاة عن الوقت، ولكن توقع الصلاة أداءً في آخر الوقت، وكما يلزمها ذلك لتكون مؤدية، يلزمها قضاء الصلاة؛ لجواز أن الحيض انقطع في آخر الوقت.
ثم إذا قضت عقيب الوقت مثلاً، وقد أدت في الوقت، فقد خرجت عما عليها؛ فإن الحيض إن انقطع في الوقت، فالقضاء يقع في الطهر، وإن وقع القضاء في الحيض، فالحيض مستمر قبله إلى اللحظة الأخيرة من الشهر السابق، ولا أداء ولا قضاء.
ثم لا يتعين-على إيجاب القضاء- تعقيبُ الوقت بالقضاء، ولكنها تقضي متى شاءت في الأيام المؤخرة، وسيأتي تمام ذلك الآن.
وإذا كنا نوجب الأداء في الوقت، فلا معنى لتكليفها تطبيق الصلاة على آخر الوقت؛ فإنها وإن فعل ذلك، فهي مأمورة بالقضاء، فلتصلِّ في الوقت متى شاءت، ثم لتقض.
577- ومما ننبه عليه-وإن كان بيِّناً- أنا ذكرنا أن الصلاة التي نقدر فسادها في الأيام المقدّمة بالوقوع في وسط الوقت، لا تقضيها في الأيام المقدّمة مقتصرة عليها، والتي نأمر بقضائها في الأيام المؤخرة إذا قضتها فيها، كفاها ذلك.
والفارق أن القضاء في الأيام المقدمة قد يقع في الحيض مع وقوع الأداء فيه، وأما الأيام المؤخرة، فإنما يجب القضاء فيها في الصورة التي ذكرناها، لإمكان انقطاع الحيض في بقية الوقت. ولو فرض ذلك، فلا يقع القضاء بعده في الحيض قطعاًً.
وهذا مُغْنٍ بوضوحه عن مزيد كشف فيه.
578- ومما يتعلق بذلك أن الخالطة لو كانت لا تقضي حتى مضت الأيام المؤخرة، فلا يلزمها إلا قضاء صلوات يوم وليلة؛ فإن الانقطاع لا يمكن تقديره في جميع الأيام المؤخرة إلا مرة واحدة، وذلك إذا اتفق، فقد يوجب قضاء صلاة واحدة، ثم تلك الصلاة لا تتعين، فيلزم لأجل ذلك قضاء صلوات يوم وليلة، ثم تقضي هذه الصلوات عند انقضاء الأيام المؤخرة كما تقضي صلاةً مطلقة في ذمتها، فتأتي بها مرة في الأيام المقدمة، ومرة في الأيام المؤخرة كما تفصّل.
ولو أوقعت هذه الصلوات الخمسة في آخر زمان من الأيام المؤخرة، كفاها ذلك مرة واحدة؛ فإنا لو فرضنا الانقطاع الآن، لم تجب الصلاة فيما مضى، لا أداءً ولا قضاء، ولكن فيه فضلُ فكرٍ.
وهو أن أول الشهر لو حسبناه من أول ليلة، ثم فرضنا الانقطاع في آخر الأزمان المؤخرة، فينقطع في آخر نهار قبل الغروب، ولو فرض ذلك، فقد يلزم الظهر والعصر في هذا اليوم، بإدراك زمانٍ في آخر النهار، فيرجع القضاء إلى الظهر والعصر إذا قضت الصلوات الخمس في آخر الأزمان المؤخرة.
وهذا لا يدركه إلا موفَّقٌ سديد الفكر، والبليد لا يزداد بالإطناب في البيان إلا دهشةً وتدوّخاً والله المستعان.
579- ومن تمام البيان في ذلك أنا إذا أوجبنا القضاء والأداء في الأيام المؤخرة؛ تفريعاً على أنه لا يجوز إخراج شيء من الصلاة عن وقتها، فلو لم تؤدّ كما أُمرت، ولكن أوقعت التكبيرَ في الوقت والباقي وراءه، ونوت القضاء، فقد عصت بترك الأداء، ولكنها خرجت بالقضاء عما عليها؛ فإنها إن كانت طاهرةً في الوقت؛ فإن الطهر يدوم، فإن ابتداء الحيض لا يتصور طريانه في الأيام المؤخرة، وإن فرضنا انقطاعاً وراء الوقت، فلا يجب قضاء الصلاة، والحيض مطبق للوقت، وإن فرضنا الانقطاع في آخر الوقت، فقد وقعت التكبيرة في الطهر، فإن فَرضَ متكلفٌ الانقطاع، وقد بقي نصف تكبيرة، فلا يجب قضاء هذه الصلاة، كما لو طبق الحيضُ الوقتَ، وسيأتي ذلك مشروحاً في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
580- وإن تركت الخالطة صلاة في الأيام المؤخرة، وأخرجتها عن الوقت، ثم قضتها عقيب الوقت مثلاً، فقد سقط الفرض عنها؛ فإنها إن كانت طاهرة في الوقت، فهي طاهرة في وقت القضاء، وإن انقطع الحيض في آخر الوقت، فقد لزم القضاء وقضت، وإن طبق الحيض الوقتَ، فلا أداء ولا قضاء.
وكل ما ذكرناه في صلاة الصبح والعصر والعشاء، فأما صلاة الظهر، فلو وقعت التكبيرة في الوقت، وباقي الصلاة خارجاً، ونحن نجوز ذلك، فلا تخرج عن عُهدة الظهر؛ لجواز أن يقع جميع ذلك في الحيض، ثم يتفق انقطاعُ الحيض في آخر النهار، فيجب قضاءُ الظهر مع العصر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فسبيلها في الظهر أن تؤدي الظهر في أي زمان يتفق، من زوال الشمس إلى انقضاء الوقت، ثم تقضي الظهر بعد الغروب.
ثم قد ذكرنا أن الأيام المقدمة أيام الوضوء، والأيام المؤخرة أيام الغسل، ويمكن ضبط المقصود في ذلك بأن الخالطة في أيام الوضوء تطبق الصلاةَ على أول الوقت، وفي أيام الغُسل قد تطبق التكبير في الصلوات الثلاث: الصبح والعصر والعشاء على آخر الوقت، عما عليها إذا ارتسمت رعاية الأول والآخر، كما رسمنا وقدّمنا ذلك.
581- وجميع ما ذكرنا فيه إذا لم تذكر إلا خلطاً مطلقاً، فأما إذا ذكرت خلطاً، وقيدته بشيء آخر، فنذكر فيه صوراً ترشدُ إلى أمثالها، وهي بينةٌ بالإضافة إلى ما تقدم.
فلو قالت: لا أحفظ شيئاًً إلا أني كنت أخلط الشهر بالشهر، يوماًً بيوم، فمعناه أني كنت حائضاً يوماًً وليلة في آخر الشهر، ويوماً وليلة في أول الشهر، فقد قيدت الخلطَ بذكر مقدارٍ، فيقدّمُ الحيض أقصى ما يمكن، ويقدر اليوم الأول آخر الحيض، فيقع ابتداؤه أول السابع عشر.
وإذا أخرناه على أقصى الإمكان، قدرنا الأولَ اليومَ الأخير من الشهر، والآخرَ آخرَ اليوم الرابع عشر، فقد دخل في الحسابين اليوم الآخر والأول، فهما حيض، وخرج من الحسابين الخامس عشر والسادس عشر، فهما طهر، وما دخل في الحساب المقدم فَحسْب أيام الوضوء، وما دخل في الحساب المؤخر فَحسْب أيام الغسل.
وباقي التفريع كما تقدم.
582- ولو قالت: كنت أخلط الشهر بالشهر، وأحفظ أن حيضتي كانت خمسة أيام، فقد قيّدت الخلطَ بذكرها لمقدار حيضتها الأصلية، فتقدّم وتؤخر، ولكن تقدّم الخمسة وتؤخرها، وليس كما تقدم؛ فإنها لم تذكر فيه مقدارَ الحيض فيما سبق، فاقتضى الاحتياطُ رعايةَ أكثرِ الحيض في التقديم والتأخير، فإذا ذكرت المقدارَ وربطته بآخر الشهر وأوله، فتقدم الخمسة، وتقدر آخرها اللحظة الأولى من الشهر، فينتهي أولها إلى السادس والعشرين إلا لحظة من أوله.
وإذا أخرنا، قدّرنا اللحظة الأخيرة من الشهر أول الحيض، فينتهي إلى آخر الخامس إلا لحظةً، فقد دخل في الحسابين لحظتان من الآخر والأول، فهما حيض، وخرج من الحسابين اللحظة الأخيرة من الخامس إلى انقضاء لحظةٍ من السادس والعشرين. فهذه الأيام طهرٌ كلها؛ فإنه لم يلحقها الحيض لا بحساب التقديم، ولا بحساب التأخير، والأيام الداخلةُ في التقديم فحسب أيام الوضوء، والداخل في حساب التأخير أيامُ الغسل، كما تقدم ذكره.
583- ولو قالت: كنت أخلط الشهر بالشهر، وكنت يوم الخامس بليلته حائضاً، فقد قيدت الخلط بتعيين يومِ من الحيض، ولم تذكر مقدارَ حيضها القديم، فيقدم حيضُها أقصى ما يمكن، ويقدّر آخر حيضها اليوم الخامس، فينتهي التقديم إلى أول الحادي والعشرين.
وإن أخرنا أقصى ما يمكن، قدّرنا الابتداء من اللحظة الأخيرة من الشهر لذكرها الخلط، فينتهي إلى آخر الخامس عشر إلا لحظة، فقد دخل في الحسابين من اللحظة الأخيرة إلى آخر الخامس فهي حائض في هذه المدة بيقين، والخارج من الحسابين هي اللحظة الأخيرة من الخامس عشر إلى أول الحادي والعشرين، فيكون طاهراً قطعاًً على حكم ذكرها.
ولا تخفى باقي الأحكام في هذه الصورة.
584- ولو قالت: كنت أخلط الشهر بالشهر، أو العَشر الأول بالعَشر الثاني فقد ترددت بين خلطين، وهذا أشد إيهاماً من خلط الشهر بالشهر مطلقاًً؛ فإنها ردّدت قولها بين خلطين، وذكرت إيهاماً في محلّين، فليس لها والحالة هذه حيض بيقين، ولا طهر بيقين؛ فإن اليقين فيهما إنما يثبت إذا تعين محل الخلط في الذكر، وقدمنا وأخرنا على أقصى التصوير، فما يدخل في الحسابين حيض، وما يخرج عنهما جميعاًً طهر، ونحن في هذه الصورة لا ندري أنتخذّ أصل التقديم والتأخير الشهر أو العشر.
ولكنا نقول: لا غسل عليها من السادس والعشرين إلى انقضاء آخر الشهر؛ فإنها إن كانت خلطت الشهر بالشهر، فالانقطاع غير ممكن في هذه الأيام لا محالة، وكذلك إن كانت تخلط العشر بالعشر، فلا يُحتمل الانقطاع في هذه الأيام؛ فإنه لو انقطع، لم يعد إلى خمسة عشر يوماًً، وكذلك لا تغتسل في اللحظة الأولى من الشهر؛ فإنها إن كانت خلطت الشهر بالشهر، فتكون حائضاً في اللحظة الأولى من الشهر، وإن كانت خالطة العشر الأول بالعشر الثاني، فكذلك لا يحتمل الانقطاع في هذه اللحظة، كما ذكرناه قبلُ، فإذا مضت اللحظة الأولى، احتمل الانقطاع بتقدير أن آخر حيضها اللحظة الأولى، ثم ينسحب إمكان الانقطاع إلى آخر العشر، ويمتدّ بعده بتقدير خلط العشر بالعشر، ويتمادى إلى آخر السادس والعشرين، كما تقدّم، ثم بعد ذلك حكم الوضوء إلى انقضاء اللحظة الأولى من الشهر.
ولست أطنب في شرح هذا ومثله لبيانه، ومن تدرّب في المشكلات المتقدمة، هان عليه طلبُ اليقين في أمثال الصور التي ذكرناها. فهذه صورٌ في تقييد الخلط بوجوه غير ذلك، تهدي إلى أمثالها.
585- ولو قالت: لا أحفظ شيئاًً إلا أني كنت أخلط الشهر بالشهر طهراً بطهر، فكأنها ذكرت أنها كانت طاهرة في اللحظة الأخيرة من الشهر، وفي اللحظة الأولى من أول كل شهر، ولا تستفيد حيضاً مستيقناً؛ فإن أكثر الطهر لا نهاية له، فلا يُفيد مَدُّه في التقديم والتأخير تعيين حيض.
ولكن إذا مضت اللحظتان اللتان في آخر الشهر وأوله، فإنا لا نأمرها بالاغتسال بعد اللحظة الأولى، حتى يمضي يومٌ وليلة، فإن الطهر إن استمرّ، فلا غسل، وإن ابتدأ حيض، لم ينقطع حتى يمضي أقل الحيض، وهو يوم وليلة، فلو انقضى ذلك، اطرد الأمر بالغُسل إلى اللحظة الأخيرة من الشهر، لاحتمال الانقطاع.
586- ولو قالت: كنتُ أخلط الشهر بالشهر حيضاً بحيض، وكنتُ طاهرةً في اليوم الخامس، فسبيل التقديم أن نقدّر آخر حيضها اللحظةَ الأولى من الشهر، فتنتهي بالتقديم إلى أول السادس عشر إلا لحظة. وإذا أردنا التأخير، نقدّر أول حيضها اللحظة الأخيرة من الشهر، فينتهي حساب التأخير إلى آخر اليوم الرابع، ولا يتعداه لمكان الطهر في اليوم الخامس، فيخرج من الحسابين من اليوم الخامس إلى مُضي لحظة من أول السادس عشر، فتكون هذه الأيام طهراً بيقين.
ولو قالت: كنت أخلط الشهر بالشهر، حيضاً بحيض، وكنت يوم الخامس أو الرابع عشر طاهرة بيقين. فنقول: هي طاهرة يوم الرابع عشر؛ فإنها إن كانت طاهرة يوم الخامس، فيمتد الطهر إلى استيعاب الرابع عشر، فهو طهر في كل تقدير.
فهذا المبلغ كافٍ في صور الخلط، وفيه إرشاد إلى أمثاله.